مقدمة
يتناول هذا البحث بالدراسة والتحليل
" الايقاع في الشعر العربي " ، متدرجا من البدايات الايقاعية الاولى ،
الى القصيدة العربية ذات الايقاع الواضح ، والوزن الدقيق المتنوع .. وبمنهج وصفيي
، تحليلي، يلم بالجوانب التاريخية للموضوع . وقد تناولت في الفصل الاول منه :
-1 البدايات الايقاعية الاولى : حيث وقفت فيها
على نماذج تتعلق بحياة العربي في الصحراء، وقصة بحثه عن منابع الماء ، ومنابت
العشب .. وما كان يعترضه من مشقة وعنت في الرحلة ،في قطعه المسافات الجرد الشاسعة
، والفلوات القفراء .. مما دفعه الى الغناء والنشيد ، دفعا للملالة ، وترويحا عن
النفس ،وتنشيطا لابله ،فكان الحداء والنصب والركبانية – ثم افردت الرجز من بينها
كفن انبثق من الصحراء ، ثم تحول الى فن شعبي ، واستقر في وزن واضح ...ووقفت على
النماذج الاخرى المتصلة بقصيدة العرب الدينية ، المنبثقة عن طقوسها وتقاليدها في
هذا المجال ،كالتهليل والقلس والتغبير .ما هو النظام الايقاعي وماهي انولعه ولق
اتبعنا الخطة التالية كما هي موضحة امامكم :
خطة البحث :
المقدمة
المبحث الاول : النظام الايقاعي
المطلب الاول : مفهوم النظام الايقاعي
المطلب الثاني :الايقاع عند العرب
المبحث الثاني : انواع الايقاع الداخلية
المطلب الاول : الايقاع الخارجي
المطلب الثاني : الجملة الشعرية
المطلب الثالث : السطر الشعري القافية
وانواعها
المبحث الثالث : الايقاع الداخلي
المطلب الاول : الاصوات ( التكرار )
المطلب الثاني التجنيس
الخاتمة
المبحث الاول :
النظام الايقاعي [1]
المطلب الاول :
مفهوم النظام الايقاعي
ان كلمة الايقاع
انحدرت من اصل اغريقي ويطلق لفظ rythmos ولم يكن يفرق بينها
وبين القافية للظن بانهما من اصل واحد ثم انتقلت الى اللاتينية باسم rythmus وبقي الاختلاط سائدا بين المصطلحين " الايقاع والقافية" لكنهم يدركون
بانه حركة منتظمة وموزونة. وبقي هذا المفهوم سائدا الى غاية القرن السادس عشر حيث
تم التفريق بين المصطلحين واصبح لكل منهم دلالته ومعناه المستقل . وبالحس المتميز
لدى الشاعر الفرنسي المشهور " بودلار " ادرك ان القافية ليست في غنى عن
الايقاع ، ولا الايقاع في غنى عنها ولهما ميزة مشتركة عميقة ، ولا خلط بينهما
لانهما كما يقول = ان ما نستشفه من هذا التعريف الغائص في عمق الروح الفنية للإنسان
والتي تستجيب لأشياء لها علاقة "زمكانية" بواقعة المعيش وبفضائه المتسع في هذه العناصر
التي لا يمكن التغاضي عنها الرتابة والتي تخص انسياب الايقاع في استمرارية خاصة
ومنتظمة والسيمترية التي تعني قياس الازمنة والامكنة المتشابهة اي بنفس التناسب
والانتظام و"المفاجأة" وهي عامل من عوامل الايقاع التي تحدث نتيجة
التوقع والخيبة
وفي الموسوعة
العالمية باللغة الفرنسية ورد تعريف الايقاع بانه كل ظاهرة نشعر او نقوم بها ولابد
ان تستجيب لعنصرين من العناصر الثلاثة التالية : البنية والزمنية والحركة
وتضيف الى ما سبق
عنصرين هما : الشكل والرجوع لان الايقاع يتموضع على مبدا الرجوع ولو نتبع استقصاء
التعاريف فان المجال لا يسعنا لكثرة الافراط كما يقول محمد المسعدي = لقد خصص هنري
ميشونيك في كتابة نقد الايقاع بابا كامل استعرض فيه عامة التعريفات النظرية للإيقاع
= واضاف له مصطلح اللاموضوعية لأنه يعتبر الايقاع = منظم لا موضوعي للخطاب = اما
" بنفيست " فيجد فيه >> المنظم لكل ما هو
متسرب ، كل ما لا يمكن القبض عليه : كالزمن واللغة والحركة والأصوات واللاشكل <<
المطلب الثاني :
الايقاع عند العرب [2]
ان اول من استعمل
مصطلح الايقاع من العرب هو ابن طباطبا العلوي في كتابه عيار الشعر لما قال >>والشعر الموزون ايقاع يطرب الفهم لصوابه وما
يرد عليه من حسن تركيبه واعتدال اجزائه. فاذا اجتمع للفهم مع صحة وزن الشعر صحة
المعنى وعذوبة اللفظ فصفا مسموعه ومعقوله من الكدر تم قبوله واشتماله عليه ، وان
نقص جزء من اجزائه التي يعمل بها وهي : اعتدال الوزن و صواب المعنى ، وحسن الألفاظ
، كان انكار الفهم اياه على قدر نقضان اجزائه <<
الذي نستكشفه لأول
مرة وهلة من هذا النص هو الجمع بين الوزن ولإيقاع وان الايقاع مقترن بالشعر الموزون
وبهما يحصل الطرب للفهم اي الانشاء وادراك حسن التركيب وصحة المعنى وفي حالة
اختلال بنية من اللبنية التالية : اعتدال الوزن ، وصواب المعنى ، وحسن الالفاظ او
فقدانها ، فغن البنية الايقاعية تهتز الصورة ويقل الفهم بقدر نقصان بنية من
الابنية .
والاكيد من عبارة
" الايقاع يطرب الفهم لصوابه " انها تطرح قضية " الذوق "
والإحساس به وقضية الذوق ايقاعيا تتعدى صورة الشعر الى صور اخرى محسوسة كالأطعمة
والرياحين وكل المبصرات والصور والنقوش الاثرية وغيرها ومن ثم يحدث الطرب وخاصة في
الشعر الذي يشترط فيه " حسن التركيب واعتدال اجزائه "
المبحث الثاني
انواع الايقاع الداخلية
المطلب الاول :
الايقاع الخارجي [3]
الايقاع الوزني
المنتظم من الزم الخصائص للشعر واهم مقوماته فعنصر الموسيقى ركيزة من ركائز العمل
الفني في الشعر فاذا خلا الشعر منم الموسيقى او ضعفت فيها ايقاعاها خف تأثيره
واقترب من مرتبة البشر ....
وبصدق هذا القول
على اكثر النماذج الشعرية التي وقف عندها عمل الخليل حيث استرعت حسه الموسيقي ،
واستوقفت اذنه الرهيفة فراح يستقرئها ويستنبط منها مقادير وزنية محكمة ، عالما ان
هذه الصناعة تتداخل فيها >> المعني والكلمات
ولانغام << >> في صناعة نورانية
متموجة << >> موزونة في شكلها فلا تأتي
على سردها ولا يؤخذ هونا كالكلام بلا عمل ولا صناعة <<
فالشعر صناعة ذات
قواعد ايقاعية دقيقة ، لا تؤخذ هونا ، بل يقف عندها الشاعر طويلا يهذب ويدقق ،
ويحذف ، حتى تستقيم القصيدة ، وتتوازن ايقاعاتها ، ويحكم نسيجها ، وتحسن اسماعها
وتناسق الى منتهاه ظن حسن وقعه في الاذن = وقد اشار الجرجاني الى هذه الظاهرة
الايقاعية . وارتباطها العميق بالشعر ، فلم يجد له تعريفه غير هذا الحد >> لأنه
موزون موفى ...<< وقد ذكرنا ان الخليل
عمد الى تحليل جزئيات في الوحدات اكبر هي التفعيلات ، ثم ركب هذه الجزئيات في
وحدات اكبر هي التفعيلات ، ثم ركب من هذه التفعيلات وحدات ايقاعية اكبر سماها بحرا
...ولا حظ الابيات تنتهي بأصوات متشابهة ، فاطلق عليها القافية واشبعها دراسة ويوف
نحاول الوقوف بهذا التدرج من الوحدات الاصغر فالأكبر عند عمل الخليل التحليلي
العظيم
المطلب الثاني :
الجملة الشعرية
*الجملة الشعرية
: يأخذ هذا المصطلح مجرى خاصا كمفهوم في النقد الحديث إذ " هو كل قول أدبي جاء
على شكل شعري، من حيث إنه يقوم على إيقاع مطرد على أي نظام فني لأي
جنس قائم مثل الشعر العمودي أو الحر أو المنثور أو قصيدة النثر...
الجملة الشعرية لا بد أن تكون تجسيدا لغويا تاما يسمو على المعنى.. " ، و تصـبح
بذلك خاضعة لصفات الإيقاع، و التحكم و التفاعل، أي بعبارة أخرى " بنيـة صـغرى
تتحرك متجهة نحو مثيلاتها لبناء " البنية الكبرى " التي هي النص الشامل " . و هذا تعريف يقترب كثيرا من طبيعة الإبداع المعاصر و بخاصة
النص الشـعري، و هـي طبيعة لا تخضع في كثير من الأحيان للتصفيات التقليدية التي أقرها
بعض اللغـويين، لكنها تخضع للرؤية الفنية، و للحالات الشعورية، و لطبيعة التعبير عن
الواقع الحيـاتي المعيش . و بما أننا لسنا بصدد عـرض تعريفـات الجملـة الشـعرية؛ أنماطهـا
و تقسيماتها و أرٍكانها و خلافات اللغويين القدامى و المحدثين حولها، لأن هذا مجـال
آخر، و لكن سنحاول عرض تعريف، نراه جامعا للجملة من منظور هـذه الدراسـة، حيث تعتبر الجملة " ما يحسن عليها السكوت
و تجب بها الفائدة للمخاطب " ، أو هي كل لفظ مفيد مستقل بنفسه مفيد لمعناه .و بهذا، تكون الجملة
في أقصر صورها هي أقل قدر من الكلام يفيد السامع معنى مستقلا بنفسه سواء تركب هذا القدر
مـن كلمـة واحدة أو أكثر؛ فليس للجملة طول محدد، بل تتراوح بين القصيرة جدا، و الطويلة
جدا، لأن المهم فيها خاصية الإسناد، أو تحقق طرفي الإسناد الذي تنعقد به الجملة و ليس
لها
حد أقصى تلتزم به، حيث إنها " مركب لغوي دال مكون فـي اللسـان العربـي
مـن عنصرين رئيسين اثنين هما : المسند و المسند إليه اللذان يظهران في نمـاذج الكـلام
المشخص بصورة متعددة متنوعة بالغة الغنى تتضمنها بنى تركيبية أساسية كل منهـا يشبه
النواة "
فالجملة من حيث الطول أكثر مرونة من البيت في الشعر بشكليه القديم و الجديد،
و من هنا ظل تطابق البيت مع الجملة متوقفا على ما يريده الشـاعر أو علـى ق درتـه فـي
الإفصاح و البيان، لأنه يجب " أن تتوافق و المعنى الذي يبغي الشاعر توصـيله " . سواء كان البيت
جملة أو بعض جملة.
و الجملة سواء كانت اسمية أو فعلية قضية إسنادية لكونها تركيبا مـن كلمتـين أسندت إحداهما
إلى الأخرى؛ إنها وحدة صغرى في النص ترتبط فيها العناصر بأدوات ترجع إلى الفعل أو الاسم،
و التوسع فيها لا يغير كثيرا من أصول الجملة، فالمهم فيها
أن تكون تركيبا له معنى مستقل مفيد فائدة يكتفي بها المتكلم و السامع ؛ لأن
الجملـة الشعرية عملية إسنادية مفيدة، إنها وحدة صغرى متضمنة في وحـدة لغويـة كبـرى
( النص )؛ و الجملة
في الشعر – خاصة الحر- قد تكون قصيرة جدا بحيـث تكـون سطرا شعريا أو بعض سطر، و قد
تمتد إلى سطرين و ما يزيد مـن الأسـطر؛ إذ لا يمكن التنبؤ بما سيسلكه الشاعر من بناء
الجملة في القصيدة لأن هذا الجانب هو مكمن الإبداع، لأن الشعر يصنع من الكلمات لا من
الأفكار –على حسب تعبير
مالارميه – كما أنها أساس
الإيقاع الشعري لأنها تعطي للعناصر المختلفة التي تتألف منها القصيدة
أحجامها على مستوى البناء اللغوي ؛فكل كلمات متجاورة و مترابطة و متضـافرة تشكل
جملة دالة على معنى في سياق النص الشعري. و رغم كل هذه الميزات الأخيرة تبقى الجملة
مركبا من ركنين أساسين – المسند و المسند إليه – و الحكم فيهـا عمليـة الإسناد من جهة،
و المعنى و تحققه من جهة أخرى. و من منطلق أن النص الأدبي-خاصة
النص الشعري - " لم يعد واحـة يلقـي القارئ بجسده المنهك عليها طلبا للراحة و
الاسترخاء، بل أصبح هما يلازمه و يلاحقه، فلا يستطيع الظفر بثماره إلا بعد لأي، و لم
يعد القارئ مجرد مستهلك للنص بل أصبح منتجا له و مشاركا فيه بصورة أو بأخرى .و عليه، سنحاول
الوصول إلى تحليـل يهدف إلى تحليل هذا النص في ذاته؛ من حيث هو نص أدبي دون أن نفـرض
عليـه تفسيرات مسبقة، تخضعه لعوامل و اعتبارات خارجية، لأننا سنسعى إلى إثبات اتساقه
من ذاته، باعتبار أنه كذلك في ذاته، و ما على القارئ إلا أن يقـيم " حـوارا عميقـا
و متجددا بين مكونات النص بدءا من أصغر و حداته، و مـرورا بأبنيتـه و أنسـاقه،
متتبعا هذه الأبنية في حوارها و جدلها فيما بينها من ناحية، ومع غيرها من النصوص الخارجية
من ناحية أخرى، وصولا إلى البؤرة الأصلية، و سعيا إلى إقامـة المغـزى الكلي للنص .و عليه سنبدأ البحث عن
هذا الجدل بين بنى النص و تجسيد اتساقها بمـا أنهـا متسقة في ذاتها. فدور القارئ هنا
ليس في صنع الاتساق النصي بقدر ما هو جعل هذا
الاتساق واضحا و مبنيا... و ستكون البداية في كيف تجسد الاتسـاق النصـي علـى
المستوى الشكلي في قصيدة " النخلة و المجداف " للشاعر عز الدين ميهوبي، أو
بعبارة أخرى؛ سيكون الكشف عن وسائل الاتساق النصي على المستوى الشكلي ( النحـوي / المعجمي). و أول
وسيلة تقع عليها أعيننا، لأنها تكاد تكون في كل جمل النص، و التي أولاها كل من هاليداي
و رقية حسن اهتماما بارزا، هي الإحالة، و منها تكون البداية.
المطلب الثالث : السطر الشعري القافية وانواعها [4]
الأول: قافية مطلقة:
وهي ما كانت متحركة الرَّوِِيّ، أي بعد رويها وصل بإشباع ضما أو فتحا أو كسرا،
وكذلك إذا وصلت بهاء الْوَصْل سواء أكانت ساكنة أم متحركة، وتنقسم إلى ستة أقسام:
مطلقة مجردة من الرِّدْف والتَّأْسِيْس، موصولة باللين، مثالها:
وَدَعِ الكذوبَ فلا يكنْ لكَ صاحبًا ** إنَّ الكذوبً يَشِيُن
حرًّا يَصْحَبُ
مطلقة مجردة من الرِّدْف والتَّأْسِيْس، موصولة بالهاء، مثالها:
ما وهبَ الُله لامرئٍ هبةً ** أفضلَ منْ عقلِهِ ومنْ أَدَبِهْ
مطلقة مردوفة مجردة من التَّأْسِيْس ، موصولة باللين، ومثالها:
إلهيْ لستُ للفردوسِ أهلا ** ولا أقوَى على نارِ الجَحِيْمِ
مطلقة مردوفة مجردة من التَّأْسِيْس، موصولة بالهاء، ومثالها:
الصمتُ أجملُ بالفتى ** منْ منْطقٍ في غيرِ حِيْنِهْ
مطلقة مؤسسة مجردة من الرِّدْف، موصولة باللين، ومثالها:
ألا كلُّ شيءٍ ما خلا اللهَ باطلُ ** وكلُّ نعيمٍ لا محالةَ
زائِلُ
مطلقة مؤسسة مجردة من الرِّدْف، موصولة بالهاء، ومثالها:
إذا كنتَ في كلِ الأمورِ معاتباً ** صديقَك لم تلقَ الذي
لا تعَاتِبُهْ
الثاني: قافية مقيدة:
وهي ما كان حرف الرَّوِِيّ فيها ساكنا وهي ثلاثة أنواع:
مقيدة مجردة من التَّأْسِيْس والرِّدْف، مثالها:
يُريك البشاشة عند اللقا ** ويبريك في السرِّ برْيَ القلمْ
مقيدة مردوفة واجبة التجرد من التَّأْسِيْس، مثالها:
دنياكَ ساعاتٌ سراعُ الزَّوَاْلْ ** وإنما العُقْبَى خُلودُ
المآلْ
مقيدة مؤسسة واجبة التجرد من الرِّدْف، مثالها:
لا تطْلُبَنَّ دُنُوَّ دَا ** رٍ مِنْ خليلٍ أوْ مُعَاشِرْ
المبحث الثالث : الايقاع الداخلي
المطلب الاول : الاصوات (التكرار )
إنَّ من مظاهر جمال التناسق الموسيقي، التواؤم في الوحدات الموسيقية التي تتكرر
في البيت، ثم تمام الأبيات ضمن التكوين البنائي العام للقصيدة، وان تردد الوزن والقافية
اللذانِ يشكلانِ وحدة بنائية للقصيدة المتولدة عن التكرار يمنح جِرسا نغميا تطرب إليه
النفس عند سماعه ، وهذا التكرار للوحدة الصوتية لايتولد عن التكرار الموجود في الوزن
والقافية فحسب، وانما يتولد من تكرار الألفاظ والعبارات التي يتخيرها الشاعر ليؤدي
وظيفة إيقاعية خاصة في بقية اجزاء القصيدة، فضلا عن الحلاوة في الأسلوب، والسمو في
المعاني، والعذوبة في الإنشاد، فالتكرار «هو تناوب الألفاظ {والتراكيب والمعاني} واعادتها
في سياق التعبير بحيث تشكل نغما موسيقيا يتقصَّده الناظم»
وترجيع الوحدة الصوتية المتمثلة بالتكرار سواء أكانت لفظا، أم عبارة، أم معنى
«يسلط الضوء على نقطة حساسة في العبارة ويكشف عن اهتمام المتكلم بها» ، وتفصح عن نفسيته، ويلفت سمع المتلقي له، وهذا
يرتبط بالدلالة.
وتكون الغاية من التكرار زيادة القيمة الإيقاعية للفظ، أو للعبارة، أو للمعنى
من خلال تردده، فيعطي نغما مضافا للبيت ومن ثم للقصيدة، وهذا يرتبط بالإيقاع، ومن هذين
الأمرين يحقق التكرار وظيفتين دلالية وإيقاعية.
ويلجأ أبو طالب في شعره إلى التكرار ويلح عليه ـ في بعض الأحايين ـ رغبة منه
في ابراز الفكرة التي هو في صدد الحديث عنها، ومنها التأبين لفقيد عزيز عليه، أو الافتخار
بنفسه أو بقومه، أو التأكيد على حقيقة مهمة لبعض الناس فيحثهم عليها، أو الاشادة بذكر
الممدوحين، أو التوعد والتهديد والتعريض بخصومه إلى آخره، على أننا لا نغفل عن أن ظاهرة
التكرار بألوانها المختلفة ظاهرة أدبية اعتمدها أبو طالب بوصفها اسلوبا احتذاه شعراء
العرب قبل الإسلام.
المطلب الثاني : التجنيس [5]
اما الجناس فهو :
تشابه لفظين في النطق واختلافهما في المعنى, أو تشابة كلمتين أو أكثر في اللفظ
دون المعنى, وسمي بالجناس للتجانس الظاهر في رسم الكلمتين
وقال ابن الأثير : هو اتفاق اللفظ واختلاف المعنى ..
والجناس نوعان : جناس تام, وجناس ناقص
الجناس التام: ما اتفق فيه اللفظان
المتجانسان في أمورأربعة:
1- نوع الحروف،
2- وعددها،
3- وهيئتها،
4- وترتيبها مع اختلاف
المعنى،
- ومن الأمثلة الشعرية
قول الشاعر :
فدارِهم مادمت فيدارهم ....وأرضِهم مادمت في أرضهم
و(حيّهم)
مادمت في حيّهم
أما الجناس الناقص فأنواع متعددة : قال البهاءُ بن
زهير:
أشـكو وأشــكرُ فعـْلـه فاعجـْب لشـاكٍ منه شاك طرفي وطرفُ النجم فيـــــــــه
كلاهما سـاهٍ وساهرْ
ففي هذا المثال ثلاثة أمثلة للجناس الناقص لاختلاف الكلمتين بحرف واحد:
فالأول ( أشكو وأشكر ). الثاني ( شاك وشاكر ). الثالث ( ساه وساهر ).
-وقال غيره :
( رحمَ الله امرأ
أمسكَ ما بين فكيه ، وأطلق ما بين كفيه) .
فالجناس هنا ناقص للاختلاف في ترتيب الحروف لاختلافها في النوع.
- ثم يأتي الجناس
الناقص باختلاف ضبط الحروف
قال عبدالله بن أحمد الميكالي :
أنكرتُ من أدمعي تترى ( سَواكبُها) سلي دموعي هلْ أبكي (سِواكِ
بها) ؟!
- وكقول الشاعر:
قد مدَّ مجدُ الدين في أيامه ..من بعض أبحر علمه (القاموسا )
ذهبتْ صحاحُ الجوهري كأنها ... سحرُ المدائن حين (ألقى موسى )
وليس المقصود بالمدائن هنا مدائن صالح إنما المدن التي جُمِع منها السحرةُ كلهم :
" قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين "
.
خاتمة :
ومن ابرز ما يمكن ان نلخص اليه من نتائج البحث :
1-وجود نماذج ايقاعية اولى ، تعد البدايات الوزنية في الايقاع ، وهي مرتبطة
بحياة الصحراء ، وقصة الارتحال في طلب الرزق من جهة ومرتبطة من جهة اخرى بحياة
العرب الفكرية والعقائدية وقد درسنا القيمة الايقاعية للنماذج وما فيها من خلل وزني
ـ واضطراب ايقاعي متفاوت
2-هناك بون واضح بين ارقى هذه النماذج الايقاعية وهي الرجز والقصيدة
العربية الجاهلية ، في النضج الايقاعي والمنهجي ، والمضمون الشعري ، مما يؤكد وجود
مرحلة وسطى ضاعت ولم تصل الينا فيما ضاع من الشعر العربي .
3 النضج الايقاعي المتمثل في القصيدة الجاهلية ، بوفرة غناها الايقاعي
4- كونها نموذجا دراسيا تناوله الخليل
5- دراسة نظرية الخليل
ا- الدراسة التحليلية التركيبية ، واعتماده عنصري الاستقراء والاستنباط
ب- الدراسة المقطعية في نظريته وتطبيق الدراسات الصوتية الحديثة عليها ،
والخروج بنتيجة هي = اضطراب الجانب المقطعي عند الخليل ، واغفال دور ابعاض الاصوات
في التكوين المقطعي الادبي
ج- عدم استيعاب الخليل التراث الشعري كله لامرين :
-عدم وصول التراث
كله اليه ....
-عدم قدرته على
الاحاطة بكل ما هو موجود ..
-دراسة عمله في
الزحافات والعلل ، ودورها في اغناء الايقاع
-دراسته للدوائر
العروضية
-دراسته للقافية ودورها في التنويع الخارجي
للايقاع
المصادر والمراجع
:
-العروض والايقاع
في الشعر العربي ، د عبد الرحمان تيرماسين ، دار الفجر للنشر والتوزيع ،ط1 2003
-موسيقى الشعر
العربي ، شكري عياد
[1]
العروض والايقاع في الشعر العربي د عبد
الرحمان تيرماسين ، دار الفجر للنشر والتوزيع ، ط1 2003
[2]
المرجع نفسه
[3]
الايقاع في الشعر العربي ،عبد الرحمان الوجي
،ط1 حزيران
[5]موسيقى الشعر العربي : شكري عياد
0 تعليق على موضوع "النظام الايقاعي في الشعر العربي "
الإبتساماتإخفاء