مقدمـــــــــة
أذا كانت القاعدة العامة أن المرء لا يسأل
قانوناً إلا عن أعماله الخاطئة والمولّدة للضرر، إلا انه، وفي حالات استثنائية ومحددة
حصراً، يجيز القانون مساءلة المرء عن الأعمال الضارّة وغير المباحة التي يأتيها أشخاص
تربطهم به رابطة معيّنة، كمسؤولية الأصول والأوصياء عن أفعال الأولاد القاصرين، ومسؤولية
المعلمين و أصحاب الحرف عن أفعال التلاميذ والمتدرجين، ومسؤولية السيد والولي عن أعمال
الخادم أو المولّى فأسندت المسؤولية على عاتق المتبوع إذا أتى تابعه بعمل غير مشروع
نتج عنه ضرر اصب الغير طالماً أن ذلك الفعل غير المشروع وقع إثناء تأدية الوظيفة أو
بسببها. ، كما أن المرء يسأل عن الأشياء التي تحت حراسته لذلك يمكن طرح الإشكالية التالية
ماذا يقصد بالمسؤولية الناشئة عن عمل الغير
والمسؤولية الناشئة عن الأشياء ؟ وما هي شروط وأسس قيامها ؟
المبحث الأول : المسؤولية عن عمل الغير
يكون الشخص مسؤولا عن عمل الغير في حالتين :
الحالة الأولى: هي حالة من تجب عليه رقابة
شخص في حاجة إلى الرقابة ويكون مسؤولا عن الإعمال الصادرة عن هذا الشخص .
الحالة الثانية: هي حالة المتبوع ويكون
مسؤولا عن أعمال التابع .
المطلب الأول : مسؤولية متولي الرقابة
لقد اقر المشرع الجزائري مسؤولية الشخص
عمن هم تحت رقابته إذ نص على انه (كل من يجب عليـه قانونا أو اتفاقا رقابة شخص في حاجة
إلى الرقابـة بسبب قصره أو بسبب حالته العقليـة أو الجسميـة ، يكون ملزما بتعويض الضرر
الذي يحدثه ذلك الشخص للغير بفعله الضار.
ويستطيع المكلف بالرقابـة أن يتخلص من المسؤوليـة
إذا أثبت أنه قام بواجــب الرقابة أو أثبت أن الضرر كان لابد من حدوثـه ولو قام بهذا
الواجب بما ينبغي من العنايـة. ونستخلص من نص هذه المادة أن المشرع الجزائري قد حصر
أسباب الرقابة في ثلاثة أسباب وهي القصر و الحالة العقلية و الحالة الجسمية
الفرع الأول : شروط تحقق المسؤولية
تتحقق مسؤولية متولي الرقابة إذا تولى شخص
الرقابة على شخص أخر وصدر من هذا الأخير عمل غير مشروع ثبت في جانبه فاوجب مسؤوليته
ومن ثم يكون متولي الرقابة مسؤولا عن هذا العمل الغير المشروع فتتحقق المسؤولية هنا
بتوافر شرطين هما:
الشرط الأول : أن يكون الشخص مكلفا برقابة
غيره :
»لا يكفي لقيام مسؤولية متولي الرقابة وجود
شخص يتولي رقابة غيرة بل يجب أن يكون متولي الرقابة مكلفا فعلا برقابة غيرة ومصدر التكليف
القانون أو الاتفاق ومثلا الأولى التزام الأب بالرقابة علي ولده ومثال الثانية مسؤولية
المستشفي عن الأضرار التي يسببها النزلاء و مسئولية متولي الرقابة لا تقوم إلا في الحالات
الثلاث القصر . والحالة العقلية . والحالة الصحية «.
» وتكون الرقابة على القاصر أذا لم يبلغ خمس
عشرة سنة ويستمر الالتزام بالرقابة قائما حتى بعد بلوغ هذه السن إذا كان في كنف القائم
علي ترتيبه أي لم يكن قد استقل بنفسه ويستمر الالتزام قائما في هذه الحالة إلي بلوغ
القاصر أي من الأجلين : بلوغ سن الرشد أو استقلاله .وتنتقل الرقابة على القاصر من أبيه
إلي معلمة في المدرسة أو المشرف في الحرفة ما دام القاصر تحت إشراف المعلم أو المشرف
كما تنتقل الرقابة علي الزوجة القاصر إلي زوجها أو إلي من يتولي الرقابة علي الزوج«
الشرط الثاني: صدور فعل ضار ممن هو تحت
الرقابة:
أن مسؤولية متولي الرقابة لا تقوم إلا إذا
وقع الفعل الضار ممن هو تحت الرقابة لا أن يقع عليه إما إذا وقع عليه فليست هناك مسؤولية
مفترضة مثل ذلك أن يصيب أجنبي تلميذا في وقت يكون فيه التلميذ في رقابة رئيس المدرسة
فلا يكون الرئيس مسؤولا عن خطأ الأجنبي إلا في حدود القواعد العامة للمسؤولية العامة
فيجب هنا إثبات خطأ في جانب الرئيس حتى يكون مسؤولا.
الفرع الثاني : أساس المسؤولية
» متى تحققت مسؤولية متولي الرقابة على النحو
السالف قامت مسؤوليته على أساس خطا مفترض والافتراض هنا قابل لإثبات العكس فيستطيع
متولي الرقابة أن يرفع المسؤولية عنه بنفي الخطأ ويستطيع كذلك رفع المسؤولية بنفي علاقة
السببية بان يثبت السبب الأجنبي فإذا لم ينف علاقة السببية ولم ينف الخطأ تحققت مسؤوليته
ولكن هذه المسؤولية لا تجب مسؤولية الشخص الخاضع للرقابة وهو الذي صدر منه العمل غير
المشروع.
والخطأ المفترض في جانب متولي الرقابة هو
الإخلال بما عليه من واجب الرقابة فهو لم يقم بما عليه من العناية « 1
دفع مسؤولية متولي الرقابة:
أن الخطأ المفترض يستتبع افتراض علاقة السببية
إنما هذا الخطأ المفترض يمكن نفيه إذا اثبت المكلف بالرقابة انه قام بواجب الرقابة
وكذلك يمكن نفي قرينة السببية متى اثبت المكلف بالرقابة أن الضرر كان لابد واقعا ولو
قام بهذا الواجب بما ينبغي من العناية وهذا وفقا لنص المادة 135/2 من القانون المدني
الجزائري والتي تقر بأنه" ويستطيع المكلف بالرقابة أن يتخلص من المسؤولية إذا
اثبت انه قام بواجب الوقاية أو اثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه ولو قام بهذا الواجب
بما ينبغي من العناية" .
وباستطلاع المادة 135 من القانون المدني
الجزائري نجد أن المشرع الجزائري اقر ثلاث حالات للمسؤولية عن فعل الأولاد القاصرين
وصغار السن وهي :
- مسؤولية الأب وإلام.
- مسؤولية أرباب الحرف .
- ومسؤولية المدرسين وسبب الرقابة في هذه
الحالات الثلاث هي صغر السن.
الحالة الأولى : مسؤولية الأب وألام عن
أعمال الأولاد القصر.
إن قوام هذه المسؤولية ومصدرها هي السلطة
الأبوية وهذه المسؤولية تستوجب شروطا لقيامها فما هي:
1- السلطة الأبوية:فيجب أن يكون المسبب للضرر
قاصرا و يعتبر قاصرا وفقا للقانون الجزائري كل من لم يبلغ سن الرشد وهي تسعة عشرة سنة
كاملة وهذا استنادا للمادة 40 و43 من القانون المدني الجزائري. حيث تقع المسؤولية على
عاتق الأب وإلام دون سواهما وكما لا تقع على الوصي على القاصر لكن الإشكال هو في حالة
الطلاق أو الانفصال الجثماني على من تقع المسؤولية؟ هنا نجد أن المشرع الجزائري اقر
بان المسؤولية تقع على الأب وبعد وفاته على إلام إما المشرع الفرنسي فاقر بأنه في حالة
الانفصال بين الوالدين فان القائم منهما بحضانته يكون هو وحده المسؤول عنه إما في حالة
هجر الأب للأسرة يبقى مسئولا لان هجر الأسرة و إن كان انفصالا واقعيا إلا انه ليس قانونيا
و ليس للأب أن يستند عليه فهو خطا من جانبه وهذا وفقا لتحليل المادة السالف ذكرها.
2 - الاشتراك في المنزل: وأساس المسؤولية في
موضوع الحال هو الرقابة فمساكنة الولد لولديه هي ما يسمح لهما بالرقابة عليه.
3- أن يكون الولد قد ارتكب الفعل الضار: أي
أن يكون هذا الفعل غير مشروع حيث تتحقق أركان المسؤولية الشخصية للقاصر.
الحالة الثانية : مسؤولية رب الحرفة عن
عمل صبيانه.
وقوام هذه المسؤولية توافر ثلاث شوط وهي:
-وجود علاقة بين رب الحرفة والصبي.
-الاشتراك في المسكن.
-وقوع عمل ضار من جانب الصبي.
الحالة الثالثة : المسؤولية عن الحوادث
المدرسية.
وتعد الحوادث المدرسية في ارتفاع متزايد
في هذه الفترة فما هو الأساس الذي تقوم عليه؟ وكيف نظم المشرع الجزائري هذه المسالة؟
» إن المدرس هو من يقوم بالتعليم وتكون له
الرقابة على تلميذه ولكن هذه المسؤولية في القانون الجزائري تقيم قرينة الخطأ على عاتق
المدرس وهذه القرينة تقبل إثبات العكس مثل مسؤولية الوالدين ورب الحرفة.كما اقر المشرع
الجزائري في هذا المجال بان مسؤولية الدولة تحل محل مسؤولية المعلمين و المربين والتي
تقوم على أساس الخطأ المفترض وهنا بإمكان المكلف بالرقابة التخلص منها إذا اثبت انه
قام بواجب الرقابة أو اثبت أن الضرر كان لابد من حدوثه ولو قام بهذا الواجب بما ينبغي
من العناية وحلول الدولة محل المعلمين هو بحكم القانون «
المطلب الثاني : مسؤولية المتبوع عن أعمال
التابع
تعد مسؤولية المتبوع عن عمل التابع خروجا
عن القاعدة العامة حيث أن الأصل ان الشخص يسأل عن فعله الشخصي دون غيره إلا أن القوانين
الحديثة خرجت عن ذلك وتوسعت في مفهوم المسؤولية بحيث قررت المسؤولية عن عمل الغير وذلك
تماشياً مع تطور الحياة العصرية فأسندت المسئولية على عاتق المتبوع إذا أتى تابعه بعمل
غير مشروع نتج عنه ضرر أصاب الغير طالماً أن ذلك الفعل غير المشروع وقع أثناء تأدية
الوظيفة أو بسببها.
الفرع الأول : شروط تحقق المسؤولية
لا تتحقق مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه
إلا إذا توفرت شروط ثلاثة، أولها قيام رابطة تبعية بين المتبوع والتابع، وثانيها ارتكاب
التابع لعمل غير مباح (خطأ) يلحق ضرراً بالغير، وثالثها حدوث العمل المذكور أثناء العمل
أو بسببه.
1ـ قيام رابطة تبعية بين المتبوع والتابع
» يشترط لتحقق هذه المسؤولية أن تقوم بين
المتبوع والتابع رابطة تجعل للأول سلطة فعلية على الثاني، تخولـه المراقبة والإدارة،
أي توجيه الأوامر والتعليمات إليه لتنفيذ الأعمال المعهود بها إليه، أو التي استخدم
من اجلها، ومن ثم مراقبة مدى التزامه بها وكيفية تنفيذها، وهذه الرابطة تعتبر متحققة،
ومرتبة لمسؤولية المتبوع عن فعل تابعه، وان لم يكن هذا المتبوع حراً في اختيار تابعه،
وفقاً لما ورد في القانون «.1
» ولا تقتصر رابطة التبعية على العلاقة الناشئة
عن عقد العمل، كما هي الحال بالنسبة للعامل والخادم والسائق بل تشمل أيضا كل علاقة
بين شخصين من شأنها أن تجعل أحدهما عاملاً لحساب الآخر وخاضعاً لسلطته في عمله. بمعنى
أن هذه الرابطة تتحقق سواءً كان مصدرها القانون أو النظام أو العقد أو حتى حكم الواقع
الحاصل « .
» لا يشترط لتحقق رابطة التبعية أن يتوفر
لدى المتبوع الاختصاص التقني والخبرة الفنية لممارسة العمل بنفسه فعلاقة التبعية متحققة
مثلاً ين صاحب المصنع وعماله وان كان الأول يجهل تفاصيل العمل على الآلات والأجهزة
«.1، كما انه لا يشترط لتحقق هذه الرابطة أن يكون المتبوع قد أعطى الأمر إلى التابع
بالذات على وجه التخصيص طالما أن هذه الأخير يقوم بعمله بالوجه المعتاد له ووفق الأصول
» ولا يشترط في رابطة التبعية أن تكون دائمة
بل يكفي أن تكون عرضية أو ظرفية. كما انه لا يشترط كذلك أن يتقاضى التابع أجراً مقابل
عمله إذ يمكن أن يؤدي عمله بصورة مجانية بناءً على تكليف من المتبوع حتى انه قد يضع
نفسه في خدمة الآخر مدفوعاً بعامل المجاملة الاجتماعية أو العاطفة وهذا لا ينفي أبداً
صفة التابع عنه أذا توفرت باقي شروطها من حيث الإشراف والرقابة« 2.
» لا تتحقق رابطة التبعية عندما يكون العامل
مستقلاً في إدارة العمل وتوجيهه وان كان يقوم به لمصلحة غيره. كما هي الحال في عقد
المقاولة حيث لا وجود لرابطة تبعية بين صاحب المشروع والمقاول كون هذا الأخير لا يخضع
في عمله الفني لرقابة وإدارة الأول، الذي لا يكتسب بالتالي صفة المتبوع بالنسبة إليه،
وان راقبه في تنفيذ أشغاله بغية الاطمئنان على حسن سيرها والتأكد من انطباقها على المواصفات
المشروطة« 3، كذلك الأمر بالنسبة إلى العلاقة القائمة بين صاحب السيارة وصاحب المرآب
الذي يقوم بإصلاح عطل فيها.
نذكر أيضا حالة » الطبيب الذي يعمل في المستشفى،
ففي ما يتعلق بتأدية عمله الفني، لا يمكن اعتباره تابعاً لإدارة المستشفى، ذلك انه
يستقل في ممارسة مهنته وينفرد بتقدير أعماله الطبية وتعيين أوجه تنفيذها، ولا يكون
للإدارة الحق في توجيهه أو مراقبته إثناء القيام بها، وبالتالي، لا يمكن الاستناد إلى
مسؤولية المتبوع عن فعل التابع لمساءلة إدارة المستشفى عن أعمال الطبيب الخاطئة والمضرة
بالمريض (قد يكون بالإمكان اللجوء إلى نوع آخر من المسؤولية في هذا المجال). هذا بالنسبة
إلى عمل الطبيب الفني. أما في ما يخرج عن صميم عمله الطبي الفني، فإنه يكون للإدارة
حق توجيهه، والأشراف عليه، وبالتالي فهي تسأل عن الأضرار اللاحقة بالمريض في هذا المجال،
عما لو تأخر الطبيب بدون سبب مقبول، عن فحص المريض الذي دخل المستشفى بصورة طارئة،
أو رفض معالجته، أو غادر المستشفى قبل انقضاء الوقت المعين للمعالجة مما أدى إلى تفاقم
سوء حالة المريض الصحية « 4.
» أما بالنسبة إلى الممرضة، فتعتبر تابعة
لإدارة المستشفى في كل ما يتعلق بالأعمال المعتادة التي تقوم بها في المستشفى. ولكن
في ما يختص بالأعمال التي تتولاها تحت مراقب وإشراف الطبيب الجراح، أثناء قيامه بعملية
جراحية، وتنفيذاً لأوامره فتكون تابعة لهذا الطبيب، ويمكن بالتالي مساءلته عن الأضرار
التي تلحقها بالمريض« 1.
2ـ ارتكاب التابع فعلاً غير مباح (خطأ) يلحق
ضرراً بالغير:
» لا تقوم مسؤولية المتبوع عن فعل تابعه إلا
أذا ارتكب هذا الأخير خطأ، أي أذا أتى عملاً (أو امتناعاً عن عمل) غير مباح اضرّ بالغير،
سواءً كان مقصوداً أم لا، وسواءً شكّل جرماً مدنياً أو جزائياً. مع العلم أن العمل
(أو الامتناع عن العمل) غير المباح هو ذلك الذي يتضمن إخلالا بالتزام أو بواجب مفروض
قانوناً أو نظاماً أو عرفاً، أو يشكل انحرافاً عن السلوك القويم الذي يحدد انطلاقاً
من معيار الشخص العادل وهو الشخص المتوسط الذكاء والبصيرة والتعقل، والموجود في ظروف
مماثلة لتلك التي وقع في ظلها الفعل الضار. بمعنى آخر، أن المتبوع لا يكون مسؤولاً
عن فعل تابعه الضارّ إلا أذا شكل هذا الفعل خروجاً من سلوك "الرجل العادي".«
2
3ـ حدوث الفعل الضار وغير المباح أثناء العمل
أو بسببه:
لا يسأل المتبوع عن الفعل الضار وغير المباح
الذي يأتيه التابع إلا إذا تم أثناء تنفيذ العمل الموكول إليه أو بسببه أو بمناسبته.
أما لو حصل الفعل الضار خارج مكان العمل
وزمانه، ولم يكن مرتبطاً لا من قريب ولا من بعيد لعمل التابع، فلا مجال إطلاقاً لمساءلة
المتبوع ومطالبته بالتعويض، كما هي الحال بالنسبة للضرر الذي يلحقه التابع بالغير في
أثناء عطلته مثلاً.
» إشارة إلى المتبوع لا يكون مسؤولاً عن الأعمال
التي يجريها التابع رغم إرادته المخالفة، إذ ثبت أن المتضرر كان يعلم أن التابع يقوم
بهذه الأعمال رغم ممانعة المتبوع. كما هي الحال عندما يصعد شخص إلى جانب السائق في
سيارة المتبوع، رغم علمه أن هذا الأخير حظر على سائقه (تابعه) أن ينقل أياً كان معه
في السيارة الموضوعة تحت تصرفه لتأمين عمله لديه. هنا، وإذا تعرض هذا الشخص لحادث ما
أثناء نقله، وتضرر من جرائه، فلا يكون باستطاعته مساءلة المتبوع عن عمل التابع غير
المباح، هذا لجهة العمل غير المباح المرتكب أثناء العمل. «3
إلا انه قد يحصل أحيانا إن » يرتكب المتبوع
فعلاً غير مباح، يخرج عن حدود وظيفته (أو خدمته) ولكنه يتصل بها اتصالاً وثيقاً بحيث
تكون هي السبب في حدوثه، بمعنى انه لولا هذه الوظيفة، ولولا الظرف الذي وجد التابع
فيه، لما كان ليرتكب هذا الفعل أو حتى ليفكر في ارتكابه. مثال على ذلك أن يستعمل حارس
موقف للسيارات إحداها، فيلحق ضرراً بالغير، أو يقدم سائق الشاحنة المكلف بنقل الرسائل،
على فتح إحداها ونشر مضمونها ملحقاً الضرر بالغير، وغيرها من الحالات التي يكون فيها
العمل غير المباح حاصلاً بسبب العمل، فيرتب بالتالي مسؤولية المتبوع عنها. « 1
من جهة أخرى » قد يحدث الضرر، لا أثناء
الوظيفة ولا بسببها، وإنما بمناسبتها، أي نتيجة فعل خاطئ كان من شأن الوظيفة (أو الخدمة)
أن تساعد على حصوله، أو تهيئ المناسبة لاقترافه، من غير أن تستلزم وقوعه حتماً ومن
دون أن تكون ضرورية لوقوعه أو لتفكير التابع بارتكابه، كما لو أتاحت الوظيفة (أو الخدمة)
دخول الموظف (أو المستخدم) بسيارته إلى مبنى الشركة الرئيسي، ومنه إلى احد مكاتبها،
الذي لا يحتم عليه عمله الدخول إليه فانتزع منه جهازاً قيّماً وسرقه، ففي هذه الحالة،
إن إقدام التابع على ارتكاب العمل غير المباح، المتمثل بجرم السرقة، تمّ بمناسبة عمله
الأصلي في الشركة، الذي سهّل له الدخول إلى المبنى، فيسأل المتبوع (أي الشركة) عن الضرر
الناشئ عنه« 2 .
الفرع الثاني : أساس المسؤولية
مسؤولية متولي الرقابة تقوم علي خطأ مفترض
هو الإخلال بالالتزام بالرقابة الذي أوجبه القانون أو الاتفاق وعلي أية حال فإذا ارتكب
الخاضع للرقابة عملا غير مشروع افترض أن متولي الرقابة قصر أو أهمل بالالتزام الواقع
علي عاتقة . وبذا يعد مسؤولا ما لم يثبت عكس ذلك ويجوز للمضرور الرجوع بالتعويض علي
أي منهما أو عليهما معا فإذا رجع المضرور علي متولي الرقابة بالتعويض أمكن للأخير أن
يتراجع بما دفعة علي الخاضع للرقابة وبذا فمسؤولية متولي الرقابة لا تمنع من قيام مسؤولية
الخاضع لها.
كما يمكن للمكلف بالرقابة التخلص من عبء
المسؤولية في الحالتين الأولي بإثبات انه قام بواجب الرقابة فعلا والثانية بإثبات أن
الضرر كان لا بد أن يقع حتى ولو قام بواجب الرقابة بما ينبغي من العناية أو الحرص وقد
نص المشرع على مسؤولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه بعمله غير المشرع متى كان
واقعا منه أما في أثناء تأدية وظيفته أو بسببها وهى مسؤولية تحقق فواد عدة منها وأهمها
أنها تحفظ للمضرور حقه في التعويض في حالات لا يتيسر فيها حصوله على التعويض من المسؤول
عن الضرر نظرا لإعساره
المبحث الثاني :المسؤولية الناشئة عن الأشياء
المطلب الأول: المسؤولية الناشئة عن حراسة
الأشياء
سنتناول في فرع أول المسؤولية الناشئة عن
الأشياء الغير حية وشروط تحققها وفي فرع ثاني المسؤولية الناشئة عن حراسة الحيوان وشروط
تحققها.
الفرع الأول : المسؤولية الناشئة عن حارسة
عن الأشياء الغير حية
نص المشرع الجزائري في المادة 138 من القانون
المدني الجزائري على "كل من تولى حراسة شيء وله قدرة الاستعمال والتسيير والرقابة
يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء". ويتضح من نص المادة 138 مدني جزائري
أنه لقيام مسؤولية حارس الأشياء يلزم أن يكون للحارس على الشيء سلطة الاستعمال والتسيير
والرقابةوأن يتسبب الشيء في حدوث الضرر
أولا: تولي الشخص حراسة الشيء .
» كانت الحراسة في القانون الفرنسي أولا هي
الحراسة القانونية فكان القضاء لا يعتبر الشخص حارس للشيء إلا إذا كان له حق يحميه
القانون . فالمالك هو الحارس حتى يثبت انه نقل الشيء إلى شخص آخر كالمستأجر أو المستعير.
ثم ظهرت الحراسة المادية وهي حيازة الشيء
حيازة تنتج للحائز السيطرة عليه سيطرة فعلية ولو لم تستند إلى حق يحميه القانون كالسارق
مثلا واستقرت محكمة النقض الفرنسية في قضائها على استعمال اصطلاح مفهوم الحراسة في
أحكامها بعبارات الاستعمال والتسيير والرقابة وقد تبنى التقنين المدني الجزائري هذا
الاصطلاح في المادة 138 بنصها: " كل من تولى حراسة شيء وكانت له قدرة الاستعمال
والتسيير، والرقابة ، يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء ".ويعفى من
هذه المسؤولية الحارس للشيء إذا أثبت أن ذلك الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه مثل عمل
الضحية ، أو عمل الغير ، أو الحالة الطارئة ، أو القوة القاهرة.
ويقصد بالشيء في نص المادة 138 مدني جزائري
هو كل شيء غير حي ماعدا البناء الذي يتهدم« 1 ويعتبر من الأشياء التي يشملها نص هذه
المادة المواد المتفجرة والأسلحة والسموم والمواد الكيميائية والأدوات الطبية والزجاج
والسوائل وتيار الغاز وأيضا الضجة التي تحدثها الطائرات.
ويعد حارساً كل من له السيطرة الفعلية على
الشيء والتصرف فيه سواء كانت هذه السيطرة مشروعة أو غير مشروعة، والسيطرة الفعلية تقتضي
أن تكون للشخص السلطة المعنوية عليه .أما اليد المادية فليست بكافية فنص المادة
138 مدني جزائري "كل من تولى حراسة شيء وكانت له قدرة الاستعمال والتسيير، والرقابة...."
يقصد بتلك العبارة سيطرة الشخص الفعلية على الشيء محل الحراسة، فالسيارة تستعمل بركوبها
أو في نقل الأشياء وهكذا... أما التسيير كما جاء في نص المادة أو التوجيه فهو سلطة
إصدار أو توجيه الأمر أو النهي بصدد الشيء. أما الرقابة فتعني تعهد الشيء بالصيانة
مثلا والإصلاح .
هناك قرينة قانونية أن المالك هو الحارس
ومن ثم فعليه أن يقيم الدليل على أن الشيء في وقت وقوع الضرر كان في حراسة غيره وقد
تنتقل الحراسة من المالك إلى غيره برضاه كما في حالة انتقالها إلى صاحب الانتفاع أو
الدائن المرتهن رهنا حيازياً. وقد تنتقل رغماً من المالك كما في حالة السارق ،وقد تنتقل
الحراسة من شخص إلى آخر كعامل الآلة في مصنع تنتهي مدة عمله ويتسلم الآلة عامل آخر
فتنتقل الحراسة إلى زميله الآخر
.
» وقد يكون الشيء مملوكا لعدة أشخاص على الشيوع
فيعتبر هؤلاء مسؤولون عما يحدثه الشيء من ضرر، ومثال ذلك سيارة متبوعة لعدة متبوعين
ويحدث التابع ضررا بهذه السيارة فيسأل كل المتبوعين عن الضرر
ويذهب المشرع إلى أنه ليس هناك ما يمنع
من تجزئة الحراسة على الشيء الواحد كما إذا أجر مالك السيارة سيارته لآخر فإن المستأجر
يكون حارسا فيما يتعلق بسوء القيادة وهو ما جاء في نص المادة 138 من الفقرة الأولى
"... وكانت له قدرة الاستعمال والتسيير..." والمالك يبقى حارسا فيما يتعلق
بوجود عيب في محركها وهو ما نصت عليه نفس المادة في كلمة .الرقابة .. ويرجع في كل حالة
إلى ملابسات الحادث لتحديد أي الحارسين هو المسؤول. «1
ثانيا: وقوع الضرر من فعل الشيء
حتى تقوم مسؤولية حارس الشيء لابد من وقوع
الضرر وقد أشارت المادة 138 من القانون المدني الجزائري من الفقرة الأولى
"...تعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء.. "
ولوقوع الضرر بفعل الشيء لا بد من تدخل
إيجابي منسوب إلى ذلك الشيء
والمقصود بالتدخل الايجابي للشيء أن تقوم
علاقة السببية بين الضرر وبين تدخل
الشيء.وليس هناك صعوبة في إدراك التدخل
الايجابي للشيء حيث يكون الشيء متحركا. فالتحرك أمر إيجابي خاصة إذا كان الشيء يتحرك
بسيطرة الإنسان
وليس معنى الدور السلبي أن يكون الشيء في
حالة سكون .فهناك أشياء في حالة سكون ودورها إيجابي كالسيارة الواقفة في الطريق ليلا
وهي مطفأة الأنوار فإن دورها حينئذ يكون إيجابيا لأنها لم تكن في الوضع الطبيعي أو
العادي وقد حكمت محكمة النقض الفرنسية بمسؤولية صاحب المقهى كحارس لكرسي مقلوب أمام
مقهاه اصطدم به شخصا ليلا لأن الكرسي كان في وضع غير طبيعي
» ولابد من التمييز بين فعل الشيء وفعل الإنسان،
إذ أن المسؤولية عن فعل الشيء تقوم على خطأ مفترض في حين أن المسؤولية عن فعل الإنسان
تقوم على الخطأ الواجب الإثبات
.
وفيما يتعلق بضابط التفرقة بين فعل الشيء
وفعل الإنسان فقد أخذ القضاء الفرنسي بعدة معايير فابتدأ بمعيار العيب الذاتي في الشيء
الذي تحركه يد الإنسان ، فيكون الفعل فعل الشيء إذا كان ثمة عيب ذاتي فيه كسيارة بها
خلل حتى يعتبر الفعل فعل السيارة ولا يطلب من المضرور إثبات الخطأ
ثم أخذ بفكرة أن يكون الشيء في ذاته خطرا
من شأنه إحداث الضرر وهذا المعيار لا يحل الإشكال إذ نجد الشيء الواحد خطرا في ظرف
وغير خطر في ظرف آخر. لذلك لم تلبث محكمة النقض الفرنسية أن نبذت هذا المعيار بدوره
و أخذت بمعيار الحراسة وحددت بأنه إذا أفلت زمام الشيء من يد حارسه كان الفعل فعل الشيء
«1.
الفرع الثاني : المسؤولية الناشئة عن حارسة
الحيوان
نص المشرع الجزائري في المادة 139 من القانون
المدني الجزائري على انه
" إن حارس الحيوان ولو لم يكن مالكا له مسؤول
عما يحدثه الحيوان من ضرر ولو ضل الحيوان أو تسرب ما لم يثبت الحارس أن وقوع الحادث
كان بسبب لا ينسب إليه " من خلال المادة السالفة الذكر نجد أن هذه المسؤولية تتحقق
إذا تولى شخص حراسة حيوان واحدث هذا الأخير ضررا للغير ولكي يتحمل هذه المسؤولية يستلزم
توافر شرطين وهما:
الشرط الأول: تولي شخص حراسة حيوان:
أن قوام هذه المسؤولية هو تولي شخص عملية
الحراسة للحيوان والحراسة هنا هي أن يتولى هذا الشخص زمام الشيء فتكون له السيطرة الفعلية
في التوجيه وفي الرقابة وان يكون هو المتصرف في أمره وهنا لا يهم أن تكون هذه الحراسة
بحق أو بغير حق واستنادا إلى المادة السالف ذكرها فان المشرع الجزائري لا يشترط الملكية
لقيام مسؤولية الحارس على عكس القانون الفرنسي الذي يقيم الحراسة على أساس الملكية
وهذه المسؤولية تثبت في حالة ما إذا ترك الحارس زمام الشيء يفلت من يده.لكن السؤال
المطروح هل يعتبر كل حارس مسؤول عن الضرر الذي يحدثه الحيوان تحت حراسته؟ معيار الحراسة
بالنسبة للقانون الجزائري هو الملكية ولكن يمكن إثبات انتقال الحراسة عن اختيار أو
جبراً
مثال : نفترض شخصا له كلب مريض فذهب به
إلى الطبيب البيطري فتسبب في إصابة احد الزائرين فمن المسؤول هل البيطري ؟ أم صاحب
الكلب ؟ هنا إذا كان الحيوان في حيازة صاحبه فان عليه سلطة رقابة وتسيير وتوجيه فهو
المسؤول ولو كان في عيادة البيطري، أما إذا كان الحيوان هذا في حيازة الطبيب ألبيطريي
وعليه نفس الشيء فتقوم مسؤوليته. مثال أخر : أعار " ا" حصانا إلى "ب"
تسبب في دهس شخص فالمسؤول هو المستعير أي "ب" إلا أذا كان صاحب الحصان هو
الذي يمتطي حصانه فيكون هو المسؤول
» أن المشرع الجزائري وفقا لهذه المادة السالفة
الذكر لا يميز بين فعل الحيوان المقيد والطليق ولا الأنيس أو المفترس والذي تتطلب حراسته
عناية كبيرة والذي لا تتطلب ذلك مثال نفترض أن شخص له حيوان يموت فيتسبب في إلحاق ضرر
بالغير هل هذا الحيوان الميت يؤدي إلى قيام مسؤولية صاحبه على أساس مسؤولية حارس الحيوان؟
هنا إذا توفي الحيوان وتسبب في إحداث ضرر فتقوم مسؤولية صاحبه على أساس مسؤولية حارس
الشيء. «1
الشرط الثاني: أن يتسبب الحيوان في إحداث
ضرر للغير وهذا الشرط يستدعي توافر أمرين وهما:
فعل ايجابي من الحيوان: فإذا كان للحيوان
دورا سلبيا فلا يعتبر الضرر من فعل الحيوان لأنه في هذه الحالة هناك سببا أجنبيا للضرر.
الضرر: » وهو كل ضرر أصاب الغير كإصابة
إنسان أو إتلاف ماله أو نقل عدوى لحيوان مملوك له كما يمكن أن يكون المضرور أجنبيا
عن الحارس أو تابعا له فالتابع من الغير وإذا احدث الحيوان ضررا بحارسه فلا يرجع على
المالك لان المسؤولية على الحارس غير أن للمالك أن يرجع على الحارس بما أصابه من ضرر
لنفس السبب المتقدم ذكره. « 2
الفرع الثالث : أساس المسؤولية الناشئة
عن حراسة الأشياء
تنص المادة 138 الفقرة الثانية من القانون
المدني الجزائري على انه "كل من تولى حراسة شيء وله قدرة الاستعمال والتسيير والرقابة
يعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء". فنجد إن أساس قيام هذه المسؤولية
هو خطا مفترض لا يقبل إثبات العكس والخطأ المفترض أساسا هو الخطأ في الحراسة والذي
لا يقبل إثبات العكس فلا سبيل إمام الحارس إلا بنفي علاقة السببية بين فعل الشيء والضرر
بإثبات السبب الأجنبي الذي لا يد له فيه كالقوة القاهرة أو الحادث الفجائي أو خطا المصاب
أو فعل الغير
» أن أساس مسؤولية حارس الحيوان هو خطا مفترض
لا يقبل إثبات العكس وهذا لدى أصحاب النظرية الشخصية التقليدية وهو الخطأ في الرقابة
من جانب الحارس هنا نتساءل هل مسؤولية حارس الحيوان لها نفس أحكام مسؤولية حارس الشيء
أم لها أحكام خاصة؟ نجد هنا أن هذه المسؤولية عن حراسة الحيوان كما هو واضح من خلال
نص المادة 137 من القانون المدني الجزائري تقوم على الخطأ المفترض الذي لا يقبل أثبات
العكس وهنا المتضرر يثبت حراسة الحيوان وعلاقة الضرر بالحراسة فتثبت مسؤولية حارس الحيوان.
«1
دفع المسؤولية
إن المسؤول يستطيع نفي المسؤولية عن نفسه
تطبيقا للفقرة 2 من المادة 138 مدني جزائري"...ويعفى من هذه المسؤولية الحارس
للشيء إذا أثبت أن ذلك الضرر حدث بسبب لم يكن يتوقعه.... ".
وينبغي ملاحظة أن أساس مسؤولية حارس الأشياء
هو الخطأ المفترض الذي لا يقبل إثبات العكس .فلا يجوز لحارس الشيء إثبات أنه لم يخطئ
وأنه بذل العناية المطلوبة لمنع وقوع الضرر .
فمسؤولية حارس الشيء تقوم على أساس خطأ
في الحراسة إذا وقع للغير ضررا بفعل الشيء ، فيفترض أن الحارس قد فقد السيطرة الفعلية
على الشيء وأن زمامه قد أفلت منه.
وطبقا للقاعدة العامة انه على من يدعي أن
ما أصابه من ضرر كان الفعل الضار هو السبب في حدوثه أن يثبت ذلك. وفي المسؤولية عن
فعل الشيء غير الحي ، متى أثبت المضرور فعل الشيء افترض خطأ حارسه افتراضا لا يقبل
إثبات العكس ولا يستطيع أن يتخلص من مسؤوليته إلا بإثبات السبب الأجنبي.
لذلك يتوجب على المسؤول نفي علاقة السببية
بين فعله الضار والضرر ليخلص من المسؤولية.
» والعلاقة السببية بين الفعل الضار والضرر
، تعني أن ينسب الضرر إلى فعل المسؤول مباشرة وهذا سواء تعلق الأمر بمسؤولية الشخص
عن فعله أو فعل غيره أو فعل الشيء على أنه إن كان الأصل أن يثبت المضرور وجود هذه العلاقة
على أن القضاء عادة ما يتساهل في ثبوتها متى كان في ثبوت الفعل الضار أو الخطأ يدل
بذاته على كونه سببا في حدوث الضرر أي أن علاقة السببية تظهر في هذه الحالة كأنها ثابتة
بقرينة بسيطة يبقى على المسؤول إثبات عكسها «1.
ونفي علاقة السببية يتم أساسا بإثبات السبب
الأجنبي ، وتنتفي العلاقة السببية أيضا بثبوت خطأ المضرور ذاته أو خطأ الغير في حدوث
الضرر.
على أن الواقع يشهد أحيانا بأن الضرر الواحد
قد تتضافر في حصوله عدة أسباب مما يتوجب معه البحث عن السبب الحقيقي في حصوله ن وذلك
بالبحث في إطار العلاقة السببية عن السبب المنتج أو الفعال للضرر أي السبب الذي بحسب
المجرى العادي للأمور يؤدي إلى حصول النتيجة الضارة. ونظرية السبب المنتج هي التي يتبناها
القضاء عند البحث عن المسؤول الحقيقي عن الضرر وبالتالي تستبعد تلك النظرية القائلة
بتعادل الأسباب أي أن كل سبب كان له دخل في حدوث النتيجة يسأل عنه صاحبه ولو كان سببا
بعيدا.
» لكن يجب أيضا القول أن الضرر إن تسبب في
حدوثه أكثر من سبب وكانت كلها منتجة فإنه لا مفر في هذه الحالة من توزيع المسؤولية
على المتسببين في الضرر ويتم التوزيع بحسب نسبة مشاركة كل سبب فإن لم تعرف تلك النسبة
وجب توزيع المسؤولية بالتساوي كأن يتحمل المسؤول ثلثها ويتحمل المضرور الثلث الثاني
بسبب خطأه وأن يلقى الثلث الأخير على القوة القاهرة «2 .
وقد نصت المادة 127 من القانون المدني الجزائري
" إذا أثبت الشخص أن الضرر قد نشأ عن سبب لا يد له فيه كحادث مفاجئ ، أو قوة قاهرة
، أو خطأ صدر من المضرور أو خطأ من الغير كان غير ملزم بتعويض هذا الضرر ، ما لم يوجد
نص قانوني أو اتفاق يخالف ذلك "، فالسبب الأجنبي طبقا لهذا النص، هو القوة القاهرة
، والحادث المفاجئ ، وخطأ المضرور وخطأ الغير ، هذا ولا يعتد بالقوة القاهرة (كالفيضانات
أو الزلازل أو البراكين أو حروب(... إلا أن تكون غير متوقعة الحدوث وليس بالإمكان دفعها
أو تجنبها ، وأن تكون خارجة عن إرادة الطرف المسؤول ، بحيث لم يكن السبب في حدوثها
كإضراب عمال مصنع معين.
» ليس أمام الحارس لكي يتخلص من المسؤولية
إلا بنفي علاقة السببية بين فعل الحيوان و الضرر بإثبات السبب الأجنبي و هو القوة القاهرة
كرعد افزع الجواد فجمح أو خطا المضرور كان يثير احد المارة كلب فيغض المضرور أو خطا
الغير كشخص يدخل الدار بلا سبب فيعضه كلب الحراسة. « 3
المطلب الثاني : الحالات الاستثنائية للمسؤولية
الناشئة عن الأشياء
الفرع الأول : مسؤولية حائز المنقول والعقار
عن الأضرار الناشئة عن الحريق
تنص المادة 140/01:من القانون المدني الجزائري
"من كان حائزا بأي وجه كان لعقار أو جزء منه ، أو منقولات حدث فيها حريق لا يكون
مسؤولا نحو الغير عن الأضرار التي سببها هذا الحريق إلا إذا أثبت أن الحريق ينسب إلى
خطئه أو خطأ من هو مسؤول عنهم"
شروط المسؤولية عن الحريق :
لتتوفر هذه المسؤولية لابد من توفر شرطين
أساسيين هما: مصدر الضرر،خطأ المسؤول
الشرط الأول: مصدر الضرر
» يجب أن يحدث الضرر بسبب حريق شب في مال
الشخص بخطأ منه أو من هو مسؤول عنهم أي ( متولي الرقابة بحيث يكون مسؤولا عن الخاضع
للرقابة مثلا الابن المادة 134 أو التابع عن متبوعه المادة 136 ) فانتقل هذا الحريق
إلى مال الغير (الجار مثلا) ونتج عن هذا الحريق تحطيم جزئي أو كلي للشيء ولكن ماذا
لو لم يحترق مال المسؤول بما أننا اشترطنا احتراق ماله أيضا فهنا بإمكان الضحية أن
يرفع دعواه على أساس المسؤولية الشخصية طبقا للمادة 124 ق م «1
الشرط الثاني : خطأ المسؤول
» يجب أن يكون الحريق الذي امتد إلى مال الغير
(الضحية) بسبب خطأ المسؤول أو المسؤول عنهم (الخاضع للرقابة أو المتبوع )أما عن أساس
هذه المسؤولية فإنها قائمة على الخطأ الواجب الإثبات مثله مثل المسؤولية الشخصية حسب
المادة 124 أي على الضحية أن يثبت الضرر والخطأ الذي ارتكبه المسؤول وهنا يكون موضعه
صعب نوعا ما بالمقارنة مع الضحية في مسؤولية متولي الرقابة أو التابع أو حارس الشيء
أين تكون المسؤولية قائمة على الخطأ المفترض بحيث يكون الضحية مجبرا فقط على إثبات
الضرر وهو أمر سهل إثباته عكس الخطأ «2.
الفرع الثاني : مسؤولية المالك عن تهدم
البناء
تنص المادة 140 ق.م على أن مالك البناء
مسؤول عما يحدثه انهدام البناء من ضرر ولو كان انهداما جزئيا، ما لم يثبت أن الحادث
لا يرجع سببه إلى إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه، ويجوز لمن كان مهددا
بضرر يصيبه من البناء أن يطالب المالك باتخاذ ما يلزم من التدابير الضرورية للوقاية
من الخطر فإن لم يقم المالك بذلك، جاز الحصول على إذن من المحكمة في اتخاذ هذه التدابير
على حسابه.
» فمسؤولية المالك تقوم على خطأ مفترض افتراضا
غير قابل لإثبات العكس، قوام هذا الخطأ أن هذا النقص في الصيانة أو هذا العيب منسوب
إلى خطأ من المالك.وعليه تتحقق مسؤولية مالك البناء بتوافر شرطان: ملكية البناء،أن
يحدث تهدم البناء ضرر للغير. «1
تشترط المادة 140/2ق.م لقيام مسؤولية مالك
البناء أن يحدث الضرر عن تتهدم البناء، سواء كان تهدما كليا أو جزئيا، بانفصاله عن
الأرض أو سقوط جزء منه، غير أن الحريق لا يعتبر تهدما حتى ولو أنهدم جزء من البناء
علية مباشرة ونتيجة له. ولا تطبق أحكام المسؤولية عن تهدم البناء في حالة الحريق.
» ويشترط أن يكون التهدم راجعا إلى حالة البناء،
بحيث يكون مرده إهمال في الصيانة أو قدم في البناء أو عيب فيه، ومن ثم فإنه يتعين على
المضرور أن يثبت أن التهدم يرجع إلى إهمال المالك في صيانة أو إلى عيب أو قدم فيه،
كما لا يستطيع المالك أن يدفع المسؤولية عن نفسه بالقول أن الإهمال في الصيانة لا يرجع
إليه«2
الفرع الثالث :مسؤولية المنتج عن منتوجه
إن المشرع الجزائري قد استحدث بموجب القانون
05-10 المؤرخ في 20 يونيو 2005 المعدل والمتمم للتقنين المدني حالة جديدة من المسؤولية
وهي مسؤولية المنتج وقد خصص للمنتوج الذي يحدث ضررا إذ تنص المادة 140 مكرر "
يكون المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى ولو لم تربطه بالمتضرر علاقة
عقدية "و يعتبر منتوجا كل مال منقول ولو كان متصلا بعقار، لا سيما المنتوج الزراعي
والمنتوج الصناعي وتربية الحيوانات والصناعة الغذائية والصيد البحري والطاقة الكهربائية
»إن إقرار مسؤولية جديدة على عاتق المنتج
و ذلك بنص المادة 140من القانون المدني الجزائري التي تنص على ما يلي " يكون المنتج
مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى ولو لم تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية"
«1
إن مصدر نص المادة 140 مكرر من القانون
المدني الجزائري هو التقنين الفرنسي إذ أن نص الفقرة الأولى من هذه المادة يكاد يكون
نقلا حرفيا للمادة 1386/1 من القانون المدني الفرنسي . أن المشرع الفرنسي وعلى عكس
المشرع الجزائري تناول مسؤولية المنتج من خلال 18 مادة أي من 1386/1 إلى 1386/18 في
حين لم يخصها المشرع الجزائري إلا بمادة واحدة فقط . إن القضاء الفرنسي كان يستند قبل
إصدار هذا القانون الخاص إلى قواعد المسؤولية التقليدية بما فيها المسؤولية التقصيرية
ولاسيما المسؤولية عن الفعل الشخصي وكذلك مسؤولية الحارس أو المسؤولية العقدية خاصة
فيما يتعلق بضمان العيوب الخفية ولقد صدرت عدة إحكام في هذا الصدد نذكر منها الدعوى
الخاصة بقضية انفجار قنينة
vittel delicef بين أيدي الزبونة فألحقت بها جروحا وإصابات بدنية بليغة فاستندت محكمة
باريس في قرارها الصادر بتاريخ 14/01/1961 إلى الالتزام بالسلامة الذي من مقتضياته
أن يفرض على البائع ومن باب أولى على المنتج واجب العلم بالعيب الخفي .كما نطقت محكمة
النقض الفرنسية بالالتزام بالسلامة في قرارها الصادر بتاريخ 19/12/1974اذ جاء فيه
- أن صانع المصعد في إحدى المحلات العامة مسؤولا عن الضرر الجسماني الذي لحق بأحد الزبائن
نتيجة العيب في هذا المصعد وذلك على أساس الالتزام بالسلامة .
إن مجال مسؤولية المنتج يدخل ضمنها الأضرار
الناتجة عن عيب في المنتوج مع الإشارة إلى أن الأضرار التي تنجر عن عيب في المنتوج
متفاوتة إذ يتعلق بعضها بكيان المنتوج بينما يصيب بعضها الأخر الشخص المتضرر في ممتلكاته
. إن نظام مسؤولية المنتج لم تنظم من طرف المشرع الجزائري الذي اكتفى في المادة
140 مكرر من استحداثها دون أن يتبع مسلك المشرع الفرنسي الذي نظم مسؤوليته تنظيما دقيقا
. ان مسؤولية المنتج أيا كانت طبيعتها سواء تقصيرية أو عقدية فانه يشترط لقيامها ثلاثة
عناصر هي الضرر والمتسبب فيه والعلاقة السببية بين الضرر ومصدره
الخـــــــــــــــــــــاتمة
نخلص من كل ما سبق أن مسئولية المتبوع عن
أعمال تابعه غير المشروعة تقوم على اعتبار أن المتبوع في حكم الكفيل المتضامن كفالة
مصدرها القانون وليس العقد ونخلص من ذلك أن المشرع قد أقام مسؤولية المتبوع عن خطأ
تابعه الذي نتج عنه ضرر أصاب الغير بشرط توافر علاقة التبعية بما تثبت للمتبوع من سلطة
فعلية في الرقابة والتوجيه على التابع الذي أتى عملا غير مشروع أثناء تأدية الوظيفة
أو بسببها.
كما أن مسؤولية متولي الرقابة تقوم على
أساس خطا مفترض قابل لإثبات العكس يستطيع أن يرفع المسؤولية عنه بنفي الخطأ أو بنفي
علاقة السببية بان يثبت السبب الأجنبي فإن لم ينف علاقة السببية ولم ينف الخطأ تحققت
مسؤوليته
وتقوم المسؤولية الناشئة عن حراسة الأشياء
الجامدة على شرطين وهما حراسة شيء و إحداث هذا الشيء للضرر وأساس المسؤولية هنا هو
خطا مفترض لا يقبل إثبات العكس،كما أن الحراسة على المدعى عليه أي مالك الشيء إثبات
بنفي المسؤولية انتقال الحراسة لشخص آخر ،أما عن علاقة الشيء بالضرر هنا نميز بين الشيء
المتحرك والغير المتحرك الشيء المتحرك يكفي للمتضرر إثبات تحرك الشيء فيفترض بذلك تدخله
الايجابي أما إذا كان الشيء ساكنا فعلى المتضرر أن يثبت تدخله الايجابي والمسؤول هنا
الحارس يستطيع نفي المسؤولية عليه عن طريق السبب الأجنبي وتبطل مسؤولية حارس الشيء
بطريقتين إما انتقال حراسة الشيء أو بالسبب الأجنبي.
أما عن المسؤولية الناشئة عن حراسة الحيوان
فإن قوام هذه المسؤولية هو توافر شرطان وهما : أن يتولى شخص حراسة حيوان ،أن يحدث الحيوان
ضررا للغير.
ولا يمكن للمسؤول عن هذا الحيوان دفع المسؤولية عنه إلا بنفي العلاقة
السببية بين فعل هذا الحيوان والضرر ولا يكون له ذلك إلا بإثبات السبب الأجنبي وهو
القوة القاهر.
0 تعليق على موضوع "المسؤولية عن فعل الغير "
الإبتساماتإخفاء